16/07/2012
The street, a public space / a political space in the Arab world
Claudine Dussollier
الشارع فضاء عام وفضاء سياسي في العالم العربي
في 31 ديسمبر 2010 هجوم على كنيسة في الإسكندرية أدّى إلى عدّة ضحايا بين قتلى وجرحى، كان لها وقعا انفعاليا كبيرا في المجتمع المصري: رد فعل من الانزعاج أدى إلى فتنة بين أقباط ومسلمي هذا البلد. ردّ عنه الفنانون والمسؤولون الثقافيون في القاهرة والإسكندرية عن طريق نشر إعلان مع أولى الصور الذاتية للمصور نبيل بطرس المعروضة آنذاك في “الدرب” 17و18 ترسم الكاهن أو الإمام، الموظف الديواني أو القروي، الشاب المنحرف أو التقي... ويحمل الإعلان عنوان “الجميع مصريون”. وفي جانفي 2011 انتشرت على نطاق واسع في أماكن عديدة وفي شوارع القاهرة، وبعد بضعة أيام وعندما انتفض الشعب بلغت ساحة التحرير، ثم أصبح هذا العمل رمزا لأحد الخطابات السياسية الأساسية في الثورة.
الفضاء العام: حد مشترك ؟
عندما يولّد الشارع حسا مشتركا يصير الفضاء العام فضاء سياسيّا، وعندما يشهد عمل ما لحظة حاسمة في الوعي الجماعي يصبح رسولا والصورة تمثل رمزا.
كيف يمكن الحديث عن الفضاء العام في بلدان العالم العربي بشكل عام في حين أنها مختلفة وممتدّة جغرافيّا؟ إلاّ أنّ هذا الفضاء أصبح، منذ سنة، “مسرحا” للتظاهرات السلمية والاشتباكات والمواجهات والهمجية وبوتقة للمواطنة والإخاء ومكانا للتضحية وصدى لكل الآمال؟ كيف تتصور الفضاء العام في حين هو في واجهة مشتركة قارة مع وسائل الإعلام التي تمجده، والشبكات الاجتماعيّة التي تنسق حركاته ؟ فمن الواضح أن الشارع يقوم الآن بدور محوري في عملية التحول الجارية في مجتمعات الدول العربيّة.
وراء الانفعال والأحداث الحالية ثلاثة مظاهر تميز الصلة بين الفن والسياسة في الفضاء العام، وتسمح بتحليل وضعيّات مختلف الدول. أفكر في العلاقة الخاصة في كل مجتمع بين الفضاء العام والفضاء الخاص، وفي حركية العلاقات بين الواقعي والافتراضي، بين الشبكات الاجتماعية و الانترنات والطريق، وأخيرا في مكانة الفن والفنانين في الحياة السياسية والاجتماعيّة.
بين التقاليد والحداثة
كيف أنّ الفن حاضر وحيوي في الفضاء العام لدول العالم العربي؟ من بين النقاط المشتركة في هذه المنطقة كونها عرفت التأثير الثقافي الدائم للدولة العثمانية، فعلى عادتها على مدى قرون أثرى البهلوانيون والموسيقيون ورواة القصص ومحرّكو العرائس والراقصون والمغنون الحياة في الساحات والسرايا، وأيضا في الشوارع والمقاهي. ومن الملاحظ مع ذلك التمييز الدقيق الذي يؤخذ بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمر بالفن، بين الثقافة العلمية والثقافة الشعبيّة، بين المهن النبيلة ذات الصلة وأولئك الذين يعتبرون التعساء الفقراء. مثل ما يحكي الرواة المسنون في ساحة “جامع الفناء” Jemaa el Fna في مراكش عندما ضيّق عليهم ميلهم وقادهم قهرا نحو “الحلقة” و رفضهم آبائهم نظرا لأن هذا العمل صار مبتذلا اجتماعيا. فنجد هكذا وجها من وجوه الفنان الملعون والمهمش ومع ذلك هو ضروري للحياة الاجتماعيّة.
حصيلة القول، هذه التظاهرات الاحتفاليّة والدينية والشعبية في الفضاء العام مثل ما هي في مصر تظـاهرة “المولد” ، تحجب الاختفاء الواضح منذ عدة عقود لمعظم الفنانين التقليديين. إلى درجة أن السؤال المطروح حاليا من اسطنبول إلى الدار البيضاء، ومن القاهرة إلى تونس يتمحور بالأحرى حول المحافظة على التراث العالمي و علم تنظيم المتاحف و ليس حول حقيقة العروض الحية.
مبادرات عملية عديدة تبين مع ذلك في الدول العربيّة كما هو في مواضع أخرى، تمني الفنانين المعاصرين لإعادة ربط الصلة مع التقاليد لإحياء الممارسات وتحويل الأشكال.
أعاد مهرجان الفن “ألوان أرت” Awaln’Art في مراكش، بإدارة خالد ثامر، استثمار الفضاء الشعاري، ساحة جامع الفنا مكان الاختلاط بين سكان الشمال والجنوب والمشعوذين والبهلوانيين والتجار، المكان الوحيد المعروف، هو“تراث الإنسانية الشفوي وغير المادي” من طرف اليونسكو في 2011. من خلال دعوة منذ سنوات عديدة المغرمون بالسيرك بالمغرب، بإفريقيا وأوربا إلى الاجتماع مع شركات الرقص المعاصر التي تحدث وتخلق في الفضاء العام مثل إكس نيهيلوEx Nihilo أو مجموعة روندوم Random، وقد أرسى هذا المهرجان أسس نهضة فنية جلية. ويحاول هذا العمل في خاتمة المطاف خلق وصل بين ماضي التقاليد وحاضر الفنانين، بين قنوات التواصل الاجتماعي والثقافي العربية-البربرية والاتصال بالعالم.
اجتمعت منذ 20 سنة الورشة في القاهرة، وجمعت الكوميديين والراقصين بالعصي والمغنين ورواة القصص... بقيادة حسان القرتلي، وتمثل هذه الفرقة جزء من مصادر التقليد، وخاصة مع الحركة الهلاليّة، وولّدت مسرحا متنقلا ينشط في جميع أنحاء البلاد في لقاء بالسكان، بفضل السينوغرافيا المتنقلة .و في الآونة الأخيرة استثمرت الورشة موضوعات من الحياة اليوميّة، مع “القاهرة على اليد” أو “ليالي الورشة” جعلت شارع القاهرة بمشاركة شخصيّات جعلت الفضاء العام أكثر حيويّة. ومن خلال تقدمها في الكتابة والإبداع، رسمت الفرقة الطريق بين التقليد والحداثة، بين المشهد والشارع، والواقع والخيالي، والعام والخاص.
الفضاء الاجتماعي والسياسي في ثورة
منذ السنوات العشرة الماضية ظهرت في العالم العربي العديد من الهياكل الثقافيّة المستقلّة، بمبادرة من الفنانين. وذلك بفضل تحويل أراض بائرة مثل “سنترال” اسطنبول أو مسالخ الدار البيضاء. فتثبّتت أماكن للفن المعاصر، واكتشف الجمهور تظاهرات مختلفة مثل “نقطة الالتقاء” « Meeting point ». ولكن لا يزال من الصعب الحديث عن معرفة حقيقيّة واعتراف من طرف الجمهور. فيجب الكثير من الوقت وسياسيات ثقافية أكثر فعاليّة لجعل هذه المبادرات أقل سريّة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الفضاء العام رهانا حقيقيا للوصول إلى الناس وتجسيد وضعيّة مجتمعهم. ولكن يجب لتحقيق ذلك قبوله باعتباره فضاء حقيقيّا للتعبير. ومرّة أخرى، كانت السياقات مختلفة ودرجة المبادرة أكثر أو أقلّ تقيّدا بواسطة الأنظمة السياسيّة أو متعلّقة بوضعيات سياسيّة معيّنة.
ففي بيروت، على سبيل المثال، منذ أن ينتصب الضغط على اثر التدخل العسكري تحكم الدبابات وحظر التجول الحياة الحضرية والأمن. وفي ظل هذه الظروف، يصبح هامش تنظيم مهرجان فن الشوارع، مثلما فعل زيكو منذ عدة سنوات، مقتصرا على بعض المناطق المعينة في المدينة: في حديقة صغيرة عامة أو فناء مسرح، وتجرى العروض خلال النهار. وفي لبنان، يمكن أن يقرأ تطور برمجة المسرح في الشارع كدلالة خارجية لانفراج سياسي واستعادة لفضاء مشترك. وينظر إلى الفنانين، إذا، كما لو أنّ وجودهم وظهورهم يعنيان “الاستقرار” و “عودة السلم”.
وفي مصر نشط ، في سياق ثوري، الفنانون ضمن الآخرين، يغنون ويرقصون في ميدان التحرير خلال أسابيع الاجتماع فيه. ثم شاركوا في إقامة اليوم الفني الشهري الوطني في الفضاء العام.
في تونس، يمثل ظهور الحركة الفنيّة في المدينة مع مهرجان مدينة الأحلام Dream City منذ 2007 وانفجار حريّة التعبير لدى الشعب من خلال التصوير والنصوص والكتابات على الجدران والفنون التشكيليّة والمسرح منذ اندلاع الثورة علامة دالة على توظيف الفضاء العام بما يتناسب مع فتح الفضاء الديمقراطي الجاري. هنا أيضا كلّ شيء قابل للتفاوض بين الحريات الشعبيّة والفضاء الاجتماعي. لقد أصبح “مسرحا” للعلاقات الجديدة بين الحريّة والرقابة، والمواجهات والمناقشات.
حركة تضحية بالنفس لمواطن عادي، محمد البوعزيزي ، تم تصويرها وتوزيعها عبر شبكة الفيسبوك، كانت حركة سياسيّة ورمزيّة ذات قوة قصوى، قامت بتعبئة وتحريك المجتمع بأكمله ورجّت وزعزعت السلطة، القول بأن الفعل الفني هو أو يجب أن يكون قويّا وملتزما هو دون شك طريق خاطئ ونقاش عديم الفائدة. ومع ذلك فإن أعمال بعض الفنانين في مجتمعهم وقدرتهم على الالتزام مع سائر المواطنين في خلق مشاريع معا، والعمل مع مرور الوقت والتفكير الجماعي والمناقشات الشعبيّة مثلت جميعها رافعة أساسيّة في صياغة المجتمع الجديد، في طورا لانجاز في تونس، في الإسكندرية، في القاهرة و في بيروت.
شارك الفنانون بنشاط ، بالتعامل مع أو ضد الرقابة والرقابة ذاتيّة، في الوعي الجماعي للمجتمع نفسه الذي يشهد تحوّلا. فهذا المجتمع الذي يلتقط صورا و أعمالا، هو الذي يعمل على التوافق مع اكتشافاته كما هو الحال مع تراجعاته، ومخاوفه وطموحاته. فاللعبة مفتوحة في كل أنحاء العالم العربي، بآمال كبيرة وعمل عظيم.